فصل: الوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)}.
شاهدوه بأبصارهم لكنهم حُجِبوا عن رؤيته ببصائر أسرارهم وقلوبهم فَلَمْ يُعْتَدَّ برؤيتهم.
ويقال رؤية الأكابر ليست بشهود أشخاصهم، لكن بما يحصل للقلوب من مكاشفات الغيب، وذلك على مقادير الاحترام وحصول الإيمان. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض} لأرباب العقول النظر والاستدلال لتحصيل الإيمان، ولأرباب القلوب الولوج والكشف لحصول الإيقاف والعيان {وما خلق الله من شيء} يعني عالم الملك المخلوق من مادة بخلاف عالم الملكوت الذي أبدع من غير شيء {وإن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم} يعني أجل فنائهم عما سوى الحق، فإن لم يؤمنوا بطريق النظر استدلالًا {فبأي حديث بعده} أي بعد النظر {يؤمنون}، {يسألونك عن الساعة} يريد الساعة التي يظهر الله تعالى فيها آثار صفة القهارية لإفناء عالم الصورة فلا يبقى منه داع ولا مجيب فيجيب هو بنفسه لمن الملك اليوم لله الواحد القهار {لاستكثرت من الخير} من الحياة الأبدية ورفع الحاجات البشرية.
{خلقكم من نفس واحدة} هي الروح {وخلق منها زوجها} وهي القلب {يسكن إليها} لأن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن فكان الروح يشم من القلب نسائم نفحات ألطاف الحق {حملت حملًا خفيفًا} في البداية بظهر أدنى أثر من آثار الصفات البشرية في القلب الروحاني {فلما أثقلت} كثرت آثار الصفات خاف الروح والقلب على أنفسهما عن تبدل الصفات الروحانية الأخروية النورانية بالصفات النفسانية الدنيوية الظلمانية {فدعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحًا} قابلًا للعبودية {لنكونن من الشاكرين فلما آتاهما صالحًا جعلا} أي الروح والقلب {له شركاء} أي جعلا وجه النفس إلى الدنيا ونعيمها فصارت عبد البطن وعبد الخميصة وعبد الدرهم والدينار. {ولا يستطيعون لهم نصرًا} أي لا تستطيع الدنيا ومن فيها للروح والقلب والنفس تقوية وتربية إلا بالله: {ولا أنفسهم ينصرون} للبقاء والدوام. اهـ.

.تفسير الآية رقم (199):

قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان محصل أمرهم الإعراض عما أتاهم بالتكذيب والإقبال على ما لم يأتهم بالطلب والتعنت كالسؤال عن الساعة، والأمر بالمنكر من الشرك وما يلزم منه من مساوي الأخلاق، والنهي عن المعروف الذي هو التوحيد وما يتبعه من محاسن الشرع، وذلك هو الجهل، وختم ذلك بالإخبار بأنه سبحانه أصلح له الدين بالكتاب، والدنيا بالحفظ من كل ما ينتاب، وكان حالهم ربما كان موئسًا من فلاحهم، مفترًا عن دعائهم إلى صلاحهم، كان الداعي لهم صلى الله عليه وسلم كأنه قال: فما أصنع في أمرهم؟ فأجابه بالتحذير من مثل حالهم والأمر بضد قالهم وفعالهم والإبلاغ في الرفق بهم فقال: {خذ العفو} أي ما أتاك من الله والناس بلا جهد ومشقه، وهذا المادة تدور على السهولة، وتارة تكون من الكثرة وتارة من القلة، فعفا المال، أي كثر، فصار يسهل إخراجه ويسمح به لزيادته عن الحاجة، وعفا المنزل، أي درس، فسهل أمره حتى صار لا يلتفت إليه.
ولما أمره بذلك في نفسه، أمره به في غيره فقال:؛ {وأمر بالعرف} أي بكل ما عرفه الشرع وأجازه، فإنه من العفو سهولة وشرفًا، وقد تضمن ذلك النهي عن المنكر فأغنى بذلك عن ذكره لأن السياق للمساهلة؛ ولما أمره بالفعل في نفسه وغيره، أتبعه الترك فقال: {وأعرض عن الجاهلين} أي فلان تكافئهم بخفتهم وسفههم ولا تمارهم فإن ذلك أسهل من غيره، وذلك بعد فضيحتهم بالدعاء، وذلك- لأن محط حالهم اتباع الهوى فيدعوهم إلى تكلف ضد هذه الخصال، وفيه إشارة إلى النهي عن أن يذهب نفسه عليهم حسرات مبالغة في الشفقة عليهم، وعن جعفر الصادق أنه ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها. اهـ.

.قال الفخر:

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}.
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أن الله هو الذي يتولاه، وأن الأصنام وعابديها لا يقدرون على الإيذاء والإضرار، بين في هذه الآية ما هو المنهج القويم والصراط المستقيم في معاملة الناس فقال: {خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف}. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{طيف} بسكون الياء: ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب وعلي. الباقون: {طائف} على وزن فاعل {يمدونهم} من الإمداد: أبو جعفر ونافع. الآخرون: بفتح الياء وضم الميم من المد {العفو وأمر} مدغمًا: أبو عمرو. وقرئ بغير همز حيث كان: يزيد والشموني وحمزة في الوقف.

.الوقوف:

{الجاهلين} o {بالله} ط {عليم} o {مبصرون} o ج لأن قوله: {وإخوانهم} مبتدأ إلا أن المعنى يقتضي الوصل لبيان اختلاف حالي الفريقين {لا يقصرون} o {اجتبيتها} ط {من ربي} ج لاختلاف الجملتين بلا عطف مع اتحاد المقول: {يؤمنون} o {ترحمون} من {الغافلين} o {يسجدون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف} قال أهل اللغة: العفو الفضل وما أتي من غير كلفة.
إذا عرفت هذا فنقول: الحقوق التي تستوفى من الناس وتؤخذ منهم، إما أن يجوز إدخال المساهلة والمسامحة فيها، وإما أن لا يجوز.
أما القسم الأول: فهو المراد بقوله: {خُذِ العفو} ويدخل فيه ترك التشدد في كل ما يتعلق بالحقوق المالية؛ ويدخل فيه أيضًا التخلق مع الناس بالخلق الطيب، وترك الغلظة والفظاظة كما قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] ومن هذا الباب أن يدعو الخلق إلى الدين الحق بالرفق واللطف، كما قال تعالى: {وجادلهم بالتى هي أَحْسَنُ} [النحل: 125].
وأما القسم الثاني: وهو الذي لا يجوز دخول المساهلة والمسامحة فيه، فالحكم فيه أن يأمر بالمعروف، والعرف، والعارفة، والمعروف هو كل أمر عرف أنه لابد من الإتيان به، وأن وجوده خير من عدمه، وذلك لأن في هذا القسم لو اقتصر على الأخذ بالعفو ولم يأمر بالعرف ولم يكشف عن حقيقة الحال، لكان ذلك سعيًا في تغيير الدين وإبطال الحق وأنه لا يجوز، ثم إنه إذا أمر بالعرف ورغب فيه ونهى عن المنكر ونفر عنه، فربما أقدم بعض الجاهلين على السفاهة والإيذاء فلهذا السبب قال تعالى في آخر الآية: {وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين} وقال في آية أخرى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرامًا} [الفرقان: 72] وقال: {والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3] وقال في صفة أهل الجنة: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا} [الواقعة: 25] وإذا أحاط عقلك بهذا التقسيم، علمت أن هذه الآية مشتملة على مكارم الأخلاق فيما يتعلق بمعاملة الإنسان مع الغير.
قال عكرمة: لما نزلت هذه الآية قال عليه السلام: «يا جبريل ما هذا؟ قال يا محمد إن ربك يقول هو أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك» قال أهل العلم: تفسير جبريل مطابق للفظ الآية لأنك لو وصلت من قطعك، فقد عفوت عنه، وإذا آتيت من حرمك فقد آتيت بالمعروف، وإذا عفوت عمن ظلمك فقد أعرضت عن الجاهلين، وقال جعفر الصادق رضي الله عنه: وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية، وللمفسرين في تفسير هذه الآية طريق آخر فقالوا: {خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف} أي ما عفا لك من أموالهم، أي ما أتوك به عفوًا فخذه، ولا تسأل عما وراء ذلك.
قالوا: كان هذا قبل فريضة الصدقة فلما نزلت آية وجوب الزكاة صارت هذه الآية منسوخة إلا قوله: {وَأْمُرْ بالعرف} أي بإظهار الدين الحق، وتقرير دلائله {وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} أي المشركين قالوا: وهذا منسوخ بآية السيف فعلى هذه الطريقة جميع الآية منسوخة إلا قوله: {وَأْمُرْ بالعرف}.
واعلم أن تخصيص قوله: {خُذِ العفو} بما ذكره تقييد للمطلق من غير دليل، وأيضًا فهذا الكلام إذا حملناه على أداء الزكاة لم يكن إيجاب الزكاة بالمقادير المخصوصة منافيًا لذلك، لأن آخذ الزكاة مأمور بأن لا يأخذ كرائم أموال الناس ولا يشدد الأمر على المزكى فلم يكن إيجاب الزكاة سببًا لصيرورة هذه الآية منسوخة.
وأما قوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} فالمقصود منه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يصبر على سوء أخلاقهم، وأن لا يقابل أقوالهم الركيكة ولا أفعالهم الخسيسة بأمثالها، وليس فيه دلالة على امتناعه من القتال، لأنه لا يمتنع أن يؤمر عليه السلام بالإعراض عن الجاهلين مع الأمر بقتال المشركين فإنه ليس من المتناقض أن يقال الشارع لا يقابل سفاهتهم بمثلها؟ ولكن قاتلهم وإذا كان الجمع بين الأمرين ممكنًا فحينئذ لا حاجة إلى التزام النسخ، إلا أن الظاهرية من المفسرين مشغوفون بتكثير الناسخ والمنسوخ من غير ضرورة ولا حاجة. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}.
رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ} قَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ إلَّا فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ».
وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى وَسَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْرَابِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّكُمْ لَا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ» وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ قَالَا «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُقْبَلَ الْعَفْوُ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسَ».
وَالْعَفْوُ هُوَ التَّسْهِيلُ وَالتَّيْسِيرُ، فَالْمَعْنَى اسْتِعْمَالُ الْعَفْوِ وَقَبُولِ مَا سَهُلَ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَتَرْكِ الِاسْتِقْصَاءِ عَلَيْهِمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَقَبُولِ الْعُذْرِ وَنَحْوِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {خُذْ الْعَفْوَ} قَالَ: {هُوَ الْعَفْوُ مِنْ الْأَمْوَالِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فَرْضُ الزَّكَاةِ}، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ وَقِيلَ: إنَّ أَصْلَ الْعَفْوِ التَّرْكُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} يَعْنِي: تُرِكَ لَهُ؛ وَالْعَفْوُ عَنْ الذَّنْبِ تَرْكُ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ وقَوْله تَعَالَى: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} قَالَ قَتَادَةُ وَعُرْوَةُ: {الْعُرْفُ الْمَعْرُوفُ}.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ الْخَلِيلِ عَنْ عُبَيْدَةَ الْهُجَيْمِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو جُرَيٍّ جَابِرُ بْنُ سُلَيْمٍ: «رَكِبْت قَعُودِي ثُمَّ انْطَلَقْت إلَى مَكَّةَ فَطَلَبْته، فَأَنَخْت قَعُودِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ بُرْدٌ مِنْ صُوفٍ فِيهِ طَرَائِقُ حُمْرٌ، فَقُلْت: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَعَلَيْك السَّلَامُ قُلْت: إنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَوْمٌ فِينَا الْجَفَاءُ فَعَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا قَالَ: اُدْنُ ثَلَاثًا.
فَدَنَوْت، فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ فَأَعَدْت، قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئَا، وَأَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ فَضْلِ دَلْوِك فِي إنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَإِنْ امْرُؤٌ سَبَّك بِمَا يَعْلَمُ مِنْك فَلَا تَسُبَّهُ بِمَا تَعْلَمُ مِنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَك أَجْرًا وَعَلَيْهِ وِزْرًا، وَلَا تَسُبَّنَّ شَيْئًا مِمَّا خَوَّلَك اللَّهُ تَعَالَى»
قَالَ أَبُو جُرَيٍّ: فَوَاَلَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِهِ مَا سَبَبْت بَعْدَهُ شَيْئَا لَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا.
وَالْمَعْرُوفُ هُوَ مَا حَسُنَ فِي الْعَقْلِ فِعْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ الصَّحِيحَةِ.
قَوْله تَعَالَى: {وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ} أَمْرٌ بِتَرْكِ مُقَابَلَةِ الْجُهَّالِ وَالسُّفَهَاءِ عَلَى سَفَهِهِمْ وَصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْهُمْ وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَانَ حِينَئِذٍ عَلَى الرَّسُولِ إبْلَاغُهُمْ وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} وَأَمَّا بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَمْرُ الْمُبْطِلِينَ وَالْمُفْسِدِينَ عَلَى وُجُوهٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ إنْكَارِ فِعْلِهِمْ تَارَةً بِالسَّيْفِ وَتَارَةً بِالسَّوْطِ وَتَارَةً بِالْإِهَانَةِ وَالْحَبْسِ. اهـ.